قد تبدو شجرة الزيتون كغيرها من الأشجار من الخارج بأوراقها الخضراء وأغصانها الخشبية النحيلة، ولكن لهذه الشجرة المتواضعة مكانة كبيرة للغاية في قلوب الأردنيين، وهي تعد من المحركات الأساسية للاقتصاد الأردني منذ مئات السنين
ممارسات جديدة في قطف الزيتون تنعش القطاع في الأزرق و تزيد إنتاج مزارعي الزيتون المحليين
تحمل شجرة الزيتون مكانة خاصة في قلوب أهل بلاد الشام بشكل عام، فبالإضافة لذكرها في جميع الديانات السماوية، شجرة الزيتون هي رمز للمقاومة والإصرار، والعلاقة بين الإنسان وأرضه، وهي أيضاً رمز للبركة والرزق.
علاقة الأردنيين بشكل خاص بهذه الشجرة هي علاقة مميزة بدأت منذ مئات السنين. فجذوع شجرة الزيتون التي زرعها الرومانيين في شمال المملكة قد شهدت شريط تاريخ الأردن وتاريخ أهلها بأكمله، الذين لطالما كانوا فخورين بزيت الزيتون المحلي الذي ينافس أفضل الزيوت العالمية والذي يعد مصدر رزق لأكثر من 180 ألف عائلة أردنية.
لم تنتشر الزراعة بشكل كبير في منطقة الأزرق إلا بعد الستينات، فقد كان أهل المنطقة، بما في ذلك عائلة فياض الزيود، يعتمدون على مصادر المياه الوفرة في ذلك الوقت للعيش. "الأمور لم تبقى على ذلك الحال لوقت طويل، فاستخدام الناس للمياه لأمور أساسية في حياتهم كانت سبب رئيسي لتدني مستوياتها بشكل كبير. ومع اختفاءها كلياً في أوائل التسعينات، أصبح أهالي الأزرق يعتمدون على الزراعة للعيش، خصوصاً وأن سعر الديزل كان أقل كلفة في ذلك الوقت مما يسهل توفير أعمال يومية ضرورية لإدارة أي مزرعة" أخبرنا فياض الزيود صاحب معصرة الزيود الأتوماتيكية الحديثة.
28 كانون الأول 2016 - السيد فياض الزيود يتحدث أمام مجموعة من المزارعين الذين استفادوا من المشروع في معصرة الزيود الأتوموتاكية الحديثة في الأزرق
وصل عدد المزارع في الأزرق إلى 700 في فترة ازدهارها، ولكن ارتفاع أسعار النفط سرعان ما أدى إلى تدني عددها ليصل إلى 400 مزرعة في أواخر التسعينات، وعدد أشجار الزيتون أصبح 1.5 مليون بعد أن كان 3 مليون في السابق.
دفعت هذه الظروف الصعبة فياض الزيود إلى طلب المساعدة الخارجية من مشروع مساندة الأعمال المحلية الممول من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بهدف تحسين مستوى المعصرة ودعم المزارعين المحليين في الأزرق. وتمكنت المعصرة بعد حصولها على الدعم من شراء ماكينات لفلترة وقطف الزيتون. " لا يوجد سوى معصرة زيتون واحدة أخرى في الأزرق، وهي لا تحتوي على ماكينة فلترة" قال الزيود. "ما يجعل هذه الماكينات مميزة هي أنها تقلل من تكلفة انتاج الزيت وتزيد الربح للمزارعين، بالإضافة إلى أن قطف الزيتون باستخدام الماكينات يعد أسهل بكثير على المزارعين من قطف الزيتون بأيديهم".
لاحظ فياض الزيود أن مزارعين الزيتون في الأزرق يعانون من عقبات كثيرة ونقص في الموارد، ولذلك قرر أن يخصص جزء من المنحة لدعمهم، وبدء بتقديم برامج تدريب تغطي أمور ومهارات تهمهم للغاية مثل تذوق زيت الزيتون وقطف الزيتون وزراعة الزيتون والخ.
"الدعم الذي حصلت عليه ساعدني بشكل لا يوصف في عملي اليومي" قال مؤيد الرضوان، أحد المزارعين في الأزرق. "اكتسبنا مهارات قيمة وأخذنا دورات مفيدة جداً مثل دورة تذوق زيت الزيتون التي تعلمنا فيها كيفية تمييز طعم ورائحة ونوع الزيت من خلال نقاشات وتمارين وجلسات تذوق متعددة".
من الأمور التي توفرها المعصرة أيضاً للمزارعين لدعمهم هي أنها تؤجرهم ماكينات القطف بسعر قليل للغاية لتسهيل أعمالهم اليومية، وقد زودت كل مزارع أيضاً بمائة صندوق بلاستيكي لتعبئة الزيتون بدلاً من أكياس الخيش المستخدمة عادةً والتي تدمر نسبة جيدة من المحاصيل.
"معدل قطف الزيتون اليومي لدي كان بالسابق ما بين 30 إلى 40 ألف حبة، ولكن الأن بعد استخدام الماكينات أصبحنا قادرين على قطف 350-500 ألف حبة في اليوم الواحد، وهذا فرق شاسع فتح أمامنا فرص كبيرة للنمو" أخبرنا أحد المزارعين الحاصلين على دعم من المعصرة.
"هؤلاء المزارعين الذين ترونهم ينتجون أفضل أنواع الزيت في المملكة" قال فياض الزيود بفخر. " أقول ذلك بكل ثقة لأنني كنت شاهد على تدريبهم من قبل خبراء في المجال، إضافة إلى أنهم يستخدمون أحدث الماكينات في القطاع بأكمله. ولأنني على أتم ثقة بما ينتجون ولغايات دعم هؤلاء المزارعين، قررنا أن نشتري منهم الزيتون بأسعار أفضل بكثير من باقي المعاصر مما يجعلنا كلانا رابحين. أعتقد أن أمر صغير كهذا سيحدث فرق اقتصادي كبير في منطقة الأزرق، فهو ببساطة نموذج عمل ناجح وفعال".