مصنع في منطقة نائية بإحدى قرى اربد يقوي الاقنصاد المحلي ويحسن نوعية الحياة لسكان المنطقة عبر دعم القوى العاملة
النمو البطيء للمناطق النائية وقلة المشاريع الصناعية فيها تفرض العديد من التحديات على المجتمعات المحلية بما في ذلك قلة فرص العمل وعدم استغلال المهارات والمواهب فيها وفقاً لخالد العمري، دكتور الهندسة المهمارية في الجامعة الأردنية. "إن اعتمادنا على المنتجات الغذائيى المستوردة قد أثر بشكل سلبي على الأطعمة المحلية مما أدى لتراجع كبير بفرص العمل المتوفرة للأشخاص الذين يعيشون في المناطق المنتجة للأطعمة المحلية".
تمتلك عائلة خالد أرض مساحتها 100 دنم في بلدة قريبة من محافظة اربد تبعد ساعتان عن العاصمة عمان. وعلى الرغم من أنه يسكن في عمان، إلا أنه على دراية بالوضع الاقتصادي الصعب في تلك البلدة والصعوبة التي يواجهها أهالي المنطقة في إيجاد فرص عمل لتغطية نفقاتهم اليومية."ليس هناك أي مشاريع صناعية في هذه المنطقة، فإذا أراد شاب أن يعمل في مصنع عليه أن يتنقل لما يقارب أربع ساعات كل يوم فقط ليصل الى مكان العمل والرجوع منه." قال خالد.
قرر خالد قبل بضعة سنوات أن يفتح مصنع للبسكويت في قطعة أرض تمتلكها عائلته، آملاً بأن ينعش اقتصاد المنطقة ويوفر فرص عمل، بالإضافة لأن يقدم منتج صحي مُصنّع محلياً في متناول الجميع. "عندما كنت أقوم بدراسة للسوق قبل افتتاح المصنع، وجدت أن 90% من البسكويت الموجود في الأسواق الأردنية مستورد وغالي الثمن، بالإضافة إلى أن نوعيته وقيمته الغذائية ليست عالية أبداً"؟
أطلق خالد اسم "اشراقة الهضاب" على مصنعه وقد حاول استغلال جميع المصادر المتوفره حوله في المنطقة من مواد طبيعية وخام لكي يضمن أن يكون منتجه ذو جودة عالية. "أكبر مشكلة واجهتنا في البداية هي تشغيل الماكينات، فليس هناك أي خبراء بالأردن قادرين على تشغيل هذه الماكينات أو تعليمنا على كيفية تشغيلها". ولذلك السبب، اضطر خالد لتغطية نفقات خبراء من خارج الأردن لكي ينقلون معرفتهم له وللموظفين، ولكنه بالنهاية لجأ لمصادر الكترونية والتعلم الذاتي لعدم تمكن الخبراء من تشغيل جميع الماكينات.
بعد أن افتتح خالد المصنع وبدأ بتصنيع أنواع مختلفة من البسكويت، شعر بأنه يريد تقديم المزيد. فعلى الرغم من أنه تمكن من بيع منتجاته في الأسواق المحلية في اربد لشريحة كبيرة من الناس لا تستطيع تحمل نفقات البسكويت المستورد وتمكن أيضاً من توفير فرص عمل لأربعة من سكان المنطقة، إلا أنه لم يكن راضٍ. وقرر لاحقاً التقدم لمنحة من مشروع مساندة الأعمال المحلية الممول من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، لتغطية تكاليف شراء ماكينات لتوسعة انتاجه من ضمنها ماكنة للتغليف وأخرى لصنع بسكويت على شكل ألعاب. "كان علي التفكير بمنتج جديد يميزني عن غيري بالسوق، وليس هناك أي شركة أو مصنع أخر يصنّع هذا النوع من البسكويت المرح والصحي الذي يعد في متناول الجميع". وتماماً كما كان يرجو، مبيعاته تغيرت بشكل كبير بعد أن بدأ ببيع هذا المنتج.
حتى يومنا هذا، مصنع خالد هوالمصنع الوحيد في الشرق الأوسط الذي ينتج هذا النوع من البسكويت، مما سمح له بدخول أسواق لم يكن قادر على الدخول إليها من قبل. " مصنع اشراقة الهضاب كان مجرد مصنع آخر ينتج البسكويت المحلى قبل اطلاق المنتج الجديد،. لم يكن حجم مبيعاتنا هائل لأن المستهلكون كانوا دوماً يبحثون عن منتجات مختلفة بأسعار اقل من المنتجات المتوفرة آنذاك".
خلال فترة لم تتجاوز خمسة أشهر على إطلاق البسكويت على شكل العاب، تمكن خالد من البدء بتحقيق الارباح وقام بتوظيف سيدتين وسائق بعد توسعة خط الانتاج لمساعدته في إدارة جميع جوانب الإنتاج والتعبئة والتغليف. "العديد من النساء اللواتي يعشن في المنطقة مطلقات ويواجهن صعوبات مالية، لذلك فانني ممتن جداً لاستطاعتي أن أوفر لهن فرص عمل مريحة وقريبة من منازلهن. أنا أيضاً أبذل قصارى جهدي لجعل يومهن في العمل أسهل من خلال توفيروسيلة نقل من وإلى المصنع ومساعدتهن بأي شكل من الأشكال."قال خالد.
يأمل خالد أن تزداد فرص الاستثمار في القرى والبلدات الريفية في جميع أنحاء الأردن، حيث أن دخل العائلات التي تعيش في هذه المناطق يعد منخفض للغاية وذلك لعدم قدرة أفرادها على إيجاد فرص عمل في المناطق المحيطة بها، بالرغم من امتلاكهم للمهارات والمؤهلات المناسبة.
"لدي إيمان كبير بأن أي دولة اذا أرادت أن تتقدم فعليها أن تتقدم صناعياً، خاصة إذا كانت تولي أهمية للصناعات الغذائية وذلك لارتباطها المباشر بالزراعة. 96٪ من المنتجات الغذائية الموجودة في الأسواق الأردنية هي منتجات مستوردة، وهذا بحد ذاته يمثل كارثة للاقتصاد المحلي، خاصة عند النظر للقدرات الاستثنائية التي نمتلكها."
قد يكون مصنع خالد صغير وينتج منتجات محددة، ولكن رؤيته لإحياء المناطق الريفية وتعزيز الاقتصاد المحلي ملهمة للغاية، وهو ما زال في بداية الطريق.
عند سؤاله حول طموحاته للمستقبل، أخبرنا خالد التالي: "توسيع نطاق منتجاتي والوصول إلى أسواق كبيرة خارج الأردن هو بالتأكيد شيءٌ أصبو نحوه، ولكن ما أحلم به لهذه المنطقة يتجاوز آمالي لهذا المصنع. أريد لمنطقتي أن تزخر بالحياة، وأن أخصص أراضي والدي لاقامة مزارع للمواشي والأبقار وبناء المزيد من المصانع لمنتجات الألبان. سيعمل ذلك على استغلال المهارات والمصادر المحلية، وسيساهم بتوفير فرص عمل لسكان المنطقة والبلدات والقرى المجاورة. وكلي ايمان بقدرة الأردن ليصبح منتجاً عالمي للمنتجات الغذائية عالية الجودة. كل ما علينا فعله هو تشجيع الاستثمارات التي تركز على المشاريع الصناعية خارج المدن الكبرى ".